لماذا يؤمن البعض في نظرية المؤامرة
كيف يمكن للناس الاعتقاد بنظرية المؤامرة وأن هناك أناس يعملون في غير صالحهم أو يتآمرون لإنجاز شيئاً ما في الخفاء هذا ما سنتحدث عنه اليوم بمقالنا المترجم حول نظرية المؤامرة.
حول المؤامرة ولماذا يعتقد الناس بالأشياء الغريبة:
أطلعني ذاتَ مرَّة أحد الأشخاص الذين أحبهم على آرائه حولَ وباء كوفيد-19 وأعرب عن خيبة أمل كبيرة تجاه الناس الذين يؤمنون بما تقوله الحكومة.
هذا الشخص لا يثق بالسلطات ويقوم ”بأبحاثه الخاصة“. أخبرني كيفَ شاهد العديد من مقاطع الفيديو على منصّة ”يوتيوب“ لبعض الخبراء عن كوفيد-19. الذين اختلفوا مع آراء ونصائح مسؤولي الصحة العامة.
أوضح هؤلاء ”الخبراء“ أنَّ كوفيد-19 ليس أكثر خطورة من الأنفلونزا، وأن ارتداء الكمامات على نطاق واسع هو أمر غير مُبرَّر، وأن الحجر الصحي الجماعي وعمليات الاِغلاق غير مبررة أيضاً، والهدف ببساطة: مصالح سياسية مُعيَّنة.
هو لا يعاني من أي شكل من أشكال الذهان. إنه ليس موهوماً أو مصاباً بجنون العظمة إكلينيكياً. إنه رجل قلق وعرضة لنوبات الاكتئاب، ويكافح أيضاً للحفاظ على التركيز. كل هذا أدى إلى ضعف التحصيل بالنسبة لإمكانياته وتطلعاته. وهو مصدر إحباط طويل الأمد بالنسبة له.
إنه للأسف ليس لديه تعليم ما بعد المرحلة الثانوية، لكنه شخص فضولي فضولي يسعى جاهداً ليكون على علم بالأحداث الجارية الهامة.
• العوامل التي ساهمت في ظهور نظرية المؤامرة:
من الواضح أنَّ الارتياب من السلطات والخبراء هو عامل كبير، وغالباً ما يتجاوز الشك الصحي. مع ثقة في غير محلِّها ولا جدالَ فيها بخصوص القادة الذين يخدمون مصالحهم الشخصية و”الخبراء“ الأقل مصداقية.
هناكَ العديد من العوامل التي ساعدت على ظهور التفكير المؤامراتي. من بينها الاِجهاد والحاجة الى الشعور بالسيطرة على الحياة الشخصية، والحاجة الى اليقين وإلى فهم عالَم شديد التعقيد. والرغبة في أنْ يكون الفرد على دراية متميّزة، والشعور بالانتماء الى مجموعة (من الذين يمتلكون معرفة خاصّة) لديها اِحساس شديد الاِلحاح بوجود غاية أو هدف.
كما أن الافتقار الى التفكير التحليلي (عدم وجود التفكير النقدي)، والاعتماد المفرط على التفكير الحَدسي (”المشاعر الغريزية“) تساهم بشكل كبير. وأيضاً، بعض التحيُّزات المعرفيّة التي نتعرض لها جميعاً. بما في ذلك الانحياز التأكيدي، وانحياز الاِدراك المتأخر، والاستدلال المدفوع (أو اتخاذ القرارات من خلال التفكير المتحيِّز عاطفيًّا). وميل الدماغ الى الافراط في تحديد النماذج والفاعلية (النيّة) في الحالات العشوائية. كل هذه التحيزات المعرفية الطبيعية تتطلب تجاوزاً واعياً من قِبل التفكير النقدي.
تمَّ العثور على ارتباط حاد بين عقلية المؤامرة والاِيمان بالظواهر الخارقة للطبيعة، الاعتقاد أن هناك قوى غير مرئية، لها قَصْديّة – والاعتقاد بأن التاريخ مدفوع بصراع مانَوي بين الخير والشر.
من المرجَّح أن يؤمنَ الأشخاص الذين يصدِّقون نظرية مؤامرة واحدة بنظريات مؤامرة أخرى.
تزداد نظريات المؤامرة انتشاراً في حالات القلق الاجتماعي، أو عدم اليقين، أو الضيق. ومن الممكن للتلاعب السياسي المُتعمَّد من قبل القادة عديمي الضمير الذين يخدمون مصالحهم الأنانية والسلطة (خاصة في مثل هذه الفترات من عدم اليقين المجتمعي) أنْ يؤثِّر على قطاعات كبيرة من السكان من خلال نشر معلومات مُضلِّلة ودعايات متعمَّدة.
ساهمَت وسائل التواصل الاجتماعي وخوارزميات الاِنترنت في نشر نظريات المؤامرة بسهولة. ولا يزال من غير الواضح ما اذا كانت قد زادت من ميل الناس نحو التفكير المؤامراتي واللا-عقلانية أو الى أي مدى.
كما يساهم الانترنت في العثور على معلومات تكشِف زيف نظريات المؤامرة بسهولة، لمن يمتلكون مهارات التفكير النقدي. لكنَّ زيادة المعلومات وبيئتها الفوضوية من العوامل أيضاً. يعتمد الكثير من الناس على المعلومات التي يشاركها الأصدقاء وغيرهم ممن يثقون بهم على وسائل التواصل الاجتماعي، كمصدر أخبارهم الرئيسي، بدلًا من وسائل الاِعلام التقليدية السائدة، حيثُ يوجد على الأقل المزيد من تدقيق الحقائق وتنظيمها.
• أنواع أخرى من المعتقدات التي تتناقض مع الأدلة غير نظرية المؤامرة:
اِنَّ الاِيمان بنظريات المؤامرة غير المعقولة ليسَ سوى مظهر واحد من مظاهر ميل معظمنا الى اعتناق معتقدات غير قابلة للتصديق، تتناقض تماماً مع الأدلة. تلكَ المعتقدات، تُحرِّكُها العديد من العوامل المذكورة سابقاً.
تتضمن هذه المعتقدات السائدة على نطاق واسع (بدون ترتيب معيَّن) التنجيم، وعلم الأعداد، والتزامُنيّة، والاستبصار، والتخاطر، وغيرها من الظواهر النفسية/الخارقة المفترَضة، والاختطاف الفضائي، والمعالجة بالمواد الطبيعية، والوخز بالاِبر، وعلم المنعكسات، والمعتقدات المضادة للكائنات المعدَّلة وراثيًّا، واِنكار تغيُّر المناخ، ونظرية الخلق، والشياطين، والملائكة، والمعجزات، والتجارب الصوفية، وتجارب الاقتراب من الموت، وجميع أنواع المعتقدات الخرافية والسحرية الأخرى.
اِذا وجدتَ نفسكَ تقول، ”توقَّف! انتظر دقيقة! كيف يمكنك اِدراج المعتقَد س (لا على التعيين) في هذه القائمة؟!“ كُن مطمئنًّا، أنت من الأغلبية التي تؤمن بواحدة على الأقل من المعتقدات الواردة في هذه القائمة (غير المكتملة)، وأنت طبيعي تماماً.
الأشخاص الذين لا يؤمنون بأي من تلك المعتقدات هم أقليّة صغيرة نوعًا ما من الأنصار المُخلِصين للعلم والدليل. تمسَّك باِيمانك العزيز، اذا كنتَ ترغب في ذلك. فقط اِعلم أنك تضع نفسك في موقف مخالف تماماً للعلم في هذا الموضوع.
• الرغبة في الاعتقاد بأن نظرة الفرد للعالم متوافقة تماماً مع العلم:
بالنسبة الى الأشخاص الذين يرفضون العلم ببساطة، لا توجد مناقشة. حظًّا موفَّقًا لهم في هذا العالم (على الرغم من أنَّ أيًّا منهم لن يتخلَّى بالطبع عن التكنولوجيا والعلاجات الطبية وجميع منتجات العلوم الأخرى التي تعتمد عليها حياتهم وأسلوبها).
لكن بالنسبة لمعظم الناس، فاِنَّ مركزيّة العلم في نجاح المجتمع، والنجاح المذهل لهُ في الارتقاء بحياتنا. أمر بَدَيهِي ولا جدالَ فيه. لذلك يود معظمهم أن يؤمنوا بأن نظرتهم للعالم متوافقة تماماً مع العلم وأن الأدلة العلمية ستثبت في النهاية معتقداتهم وتؤكِّدُها.
مَن ذكرتهُ في المقدمة، مقتنع بأن العدد القليل من الخبراء الذين يدافعون عن آرائه على حق. أمّا باقي المجتمع العلمي فهو على خطأ وسيقتنع في النهاية بـ ”الدليل“.
يحاول العديد ممن يحملون معتقدات علمية زائفة الاقتناع بوجود خبراء علميّين يدعمون معتقداتهم، أو أنَّ معتقدهم على الأقل لا يتعارض مع العلم.
• تَغيُّرات النموذج العلمي:
غالبًا ما يُقال: هناك العديد من النظريات العلمية التي انقلبت في الماضي بسبب تفسيرات وأدلة جديدة. ممّا أدى الى تحوُّلات نموذجية. غالباً ما يؤكِّد الأشخاص الذين يؤيِّدون أحد المعتقدات غير المعقولة أنَّ نظريتهم ستصبح علماً مقبولاً في المستقبل. بالطريقة التي رفض بها معظم العلماء نظرية الانجراف القاري في البداية باعتبارها غير قابلة للتصديق ولكنها أصبحت علماً سائداً.
العلم هو منهَجيّة التصحيح الذاتي، ويمر من خلال عمليات تخمين وتفنيد، عن طريق تكرار التجارب المستقلّة والمُتحكَّم بها جيّداً. عندما تتوافر الأدلة الكافية لصالح فرضية حديثة. تتناقض مع نظرية قديمة، يقوم العلماء بتغيير آرائهم.
لم يظهر أي دليل ذي مصداقية علميًّا على أي معتقد واحد من المعتقدات المذكورة أعلاه. والعديد من هذه النظريات غير قابلة للتصديق، وتتعارض بشكل أساسي مع القواعد والأدلة المتراكمة للعلم الحديث.
• مهارات التفكير النقدي ضرورية للنجاح في اقتصاد اليوم
الأشخاص الذينَ يفتقرون الى فهم كيفية تقييم المعلومات بشكل عقلاني ومنهجي، وكيفية تقييم الأدلة بدقة. يكونون أكثر عرضة للتخلف عن الركب في الحضارة والعلوم الذي يتزايد فيه التنافس.
البلدان ذات المستويات المنخفضة من هذه المهارات والتي لديها أعداد أكبر من المواطنين الذين يميلون الى الاعتقاد بنظريات المؤامرة، والعلوم الزائفة، والمعتقدات الشعبية التي تتميز بالتفكير السحري. سوفَ تتخلَّف بسرعة عن البلدان ذات مُعدَّلات السكان الأكثر تعليماً ومعرفةً بالعلوم.
معظم الناس لديهم فهم سطحي للطريقة العلمية. العلم صعب. التفكير الحدسي (”التفكير الغريزي“). مع كل التحيُّزات المعرفية، أمر طبيعي، في حين يجب التشديد على الفكر النقدي، ومن غير الممكن تدريسهُ بسرعة أو بسهولة.
يعكس الافتقار الواسع لمحو الأمية العلمية ومهارات التفكير النقدي الصارمة في العديد من المجتمعات فشل نظام التعليم. وهو ما يعكس ثقافة اِعلامية شائعة تُمجِّد في كثير من الأحيان المشاهير. وتغرَق في السَّطحيّة، وتُقلِّل من المفاهيم المُعقَّدة، وتفترض فترة اهتمام قصيرة، وتعطي الأولوية بشكل عام للمحتوى الترفيهي والمُفاجِئ، بدلًا من المحتوى الذي يُعلِّم ويخدم المجتمعات.
عالم نوح
المصدر: 1
إقرأ المزيد:
لماذا أنشئت جائزة نوبل وعلى ماذا يحصل الفائز بها؟
نصائح وخدع مفيدة جداً يتوجب عليك استخدامها في تويتر
التنافر المعرفي | عندما تكون أفعالنا تتعارض مع قناعاتنا وأفكارنا وقيّمنا! وما الحل؟
نسب فيبوناتشي تعرف عليها وعلى استخداماتها المثيرة بشكل شامل ومبسط
الانحيازات المعرفية | عندما يخدعنا عقلنا ونتخذ قرارات خاطئة! تعرّف مفصلاً عليها مع الأمثلة