تتمة التحيّزات المعرفية
التحيّزات المعرفية مقابل المغالطات المنطقية:
يخلط الناس أحياناً بين التحيّزات المعرفية والمغالطات المنطقية، لكن الاثنين ليسا نفس الشيء. تنبع المغالطة المنطقية من خطأ في حجة منطقية، في حين أن التحيّزات المعرفية أو التحيّز المعرفي متجذر في أخطاء معالجة الفكر التي تنشأ غالباً عن مشاكل الذاكرة والانتباه والإسناد والأخطاء العقلية الأخرى.
نقدم إليكم في هذه المقالة 10 أنواع أخرى جديدة من التحيّزات المعرفية تتمة للأنواع السابقة:
21- انحياز التفاعل / Reactance:
الميل لفعل عكس ما يريدك شخص ما أن تفعله، لأنك تعتقد أنه يحاول تقييد حريتك في الاختيار.
حيث يلعب الأشخاص الذين يستخدمون “علم النفس العكسي” على إدراك انحياز التفاعل، في محاولة للتأثير على شخص ما ليختار عكس ما يطلبه.
هذه طريقة متكررة تُستخدم في ملاعبات البيع الاحتيالية أو غير الأخلاقية، حيث تتلاعب بالمستهلك في اختيار خيار لن يشتريه بالضرورة.
مثال: تذكر القصص أن فريدريك العظيم ملك بروسيا. احتاج إلى الناس لبدء زراعة البطاطة، لأن البطاطة كانت العنصر الأساسي الذي، يمكن أن يحافظ على حياة الناس ويخفض سعر الخبز. مع ذلك فإن طلبه لزراعة وأكل البطاطة لم يفي بالغرض، ولم يعجبهم شكلها، وأدركوا أن حريتهم في تقرير ما يتمنون مُقيدة.
بدلاً من تشديد على الناس وفرض البطاطة عليهم، عمل فريدريك على علم النفس العكسي. حيث زرع حقول البطاطة، وبنى حولها جدراناً، وأمر جيشه بالتظاهر بحراستها.
تغلب انحياز التفاعل على عقول الناس، وأوهمهم أنها لذيذة وغالية، وأصبحت مرغوبة بشدة لدى الناس.
مجال التأثير (المجتمع – المال – السياسة)
22- الانحياز التأكيدي / الانحياز الذاتي / Confirmation Bias:
نميل إلى إيجاد وتذكر المعلومات التي تؤكد تصوراتنا. حيث أن الإنسان يبحث عن تفسير وتذكُّر المعلومات بطريقة تتوافق مع معتقدات وافتراضات يتبناها، بينما لا يولي انتباهاً مماثلاً للمعلومات المناقضة لها. وهذه من التحيّزات المعرفية الخطيرة.
تؤثر تحيزات التأكيد على كيفية جمعنا للمعلومات، كما تؤثر أيضاً على كيفية تفسيرنا للمعلومات واستدعائها. حيث لن يسعى الأشخاص الذين يدعمون أو يعارضون قضية معينة إلى الحصول على المعلومات لدعمها فحسب، بل سيفسرون أيضاً القصص الإخبارية بطريقة تدعم أفكارهم الحالية. سيتذكرون أيضاً التفاصيل بطريقة تعزز هذه المواقف.
مثال: شخص لديه اعتقاد بأن الأشخاص الذين لديهم صلع هم أكثر إبداعاً من الأشخاص أصحاب الشعر الكثيف. عندما يصادف هذا الشخص شخصاً أصلعاً ومبدعاً، فإنه يولي أهمية أكبر لهذا الدليل الذي يدعم ما يؤمن به بالفعل. قد يبحث هذا الشخص عن دليل يدعم هذا الاعتقاد بشكل أكبر بينما يستبعد الأمثلة التي لا تدعم الفكرة.
مجال التأثير (الإيمان – المال – السياسة – التعليم)
23- الأثر العكسي / Backfire Effect:
عندما يواجه الناس أدلة من شأنها أن تجعلهم يشكون في معتقداتهم، فإنهم غالباً ما يرفضون هذا الدليل ويعززون دعمهم لموقفهم الأصلي. من المهم فهم التأثير العكسي، لأنه يؤثر على كل من قدرتك على تغيير رأي الآخرين، وكذلك قدرتك على معالجة المعلومات بعقلانية بنفسك.
مثال: عند تعريف الناس بمعلومات سلبية عن مرشح سياسي يفضلونه، غالباً ما يدفعهم إلى زيادة دعمهم لهذا المرشح.
مثال: في مقال نُشر عام 2014 في The Atlantic دراسة تنطوي على التردد في أخذ التطعيم. أعرب المشاركون عن مخاوفهم من الآثار الجانبية للقاحات الإنفلونزا.
بعد إخبارهم أن التطعيم آمن تماماً، أصبحوا أقل رغبة في قبوله. دفعتهم هذه المعرفة الجديدة إلى عدم الثقة في اللقاح أكثر، مما عزز الفكرة التي كانت لديهم من قبل بالفعل.
مجال التأثير (الإيمان – المال – السياسة – التعليم)
24- تأثير الشخص الثالث / Third-Person Effect:
الفرضية الإدراكية لتأثير الشخص الثالث، هي أن الأشخاص يرون أن الرسائل الإعلامية يكون لها تأثير أكبر على الآخرين من تأثيرها عليهم.
مثال: ينتشر شعور بأن “الآخرين” فقط هم من يتأثرون بأشياء مثل الإعلانات، أو الاخبار.
عادةً ما تجعل دراسات التأثير من منظور الشخص الثالث المشاركين أولاً يشاهدون إعلاناً أو يقرؤون مقالاً في صحيفة أو أي وسيلة أخرى تحتوي على رسالة مُقنعة. ثم سُئلوا عن مدى تأثير ذلك عليهم ومدى تأثيره على الآخرين. ما وجده الباحثون، في دراسة تلو الأخرى حول تأثير الشخص الثالث، أن المشاركين اعتقدوا أن الآخرين سيتأثرون بالرسالة، لكنهم هم أنفسهم لن يتأثروا بها.
لكن بالنظر إلى النتائج، كان من الواضح أن المشاركين قد تأثروا مثل الآخرين.
مجال التأثير (الإيمان – المجتمع – السياسة – التعليم – الذاكرة)
25- انحياز المعتقد / التحيز للمعتقدات / Belief Bias:
هو ميل في التفكير المنطقي إلى الاعتماد على المعتقدات السابقة بدلاً من الانصياع الكامل للمبادئ المنطقية. وهذه من أخطر التحيّزات المعرفية التي قد تحدث.
يعني أن الناس غالباً ما يقبلون الحجج التي تتوافق مع معتقداتهم الموجودة مسبقاً، حتى لو كانت هذه الحجج ضعيفة أو غير صالحة أو غير سليمة، وأن الناس غالباً ما يرفضون الحجج التي تتعارض مع معتقداتهم الموجودة مسبقاً، حتى لو كانت هذه الحجج قوية ومنطقية.
مثال: يمكن لجميع الطيور الطيران. كما يمكن للحمام أن يطير. الخلاصة، أن الحمام من الطيور.
قد يظن الناس أن هذه الحجة منطقية إذا علموا أن الحمام طيور. ومع ذلك فإن هذه الحجة في الواقع غير سليمة من الناحية المنطقية. لأن قدرة كل من الطيور والحمام على الطيران لا تعني بالضرورة أن الحمام طيور. حيث أن هناك أنواع أخرى من الحيوانات، مثل الحشرات يمكن أن تطير أيضاً. علاوة على ذلك، فإن الفرضية الأولى لهذه الحجة خاطئة، حيث لا تستطيع جميع الطيور الطيران مثل النعام والبطريق كلها طيور لا تطير.
مجال التأثير (الإيمان – المال – السياسة – التعليم)
26- سلسلة التوافر / شلالات التوافر / Availability Cascade:
كيف تنتشر المعلومات على نطاق واسع؟
يكتسب موقف معين مكانة متزايدة في الخطاب العام، مما يزيد من إتاحته للناس وبالتالي يجعلهم أكثر عرضة لتصديقه ونشره بشكل أكبر.
مثال: تؤدي قصة إخبارية إلى موجة من المناقشات العامة لموضوع تغيرالمناخ، مما يؤدي إلى المزيد من القصص والمناقشات حول هذا الموضوع، بطريقة ما تؤدي في النهاية إلى وضع تشريعات وقوانين من أجل التعامل مع الموضوع.
من أوضح الأمثلة على ذلك، جائحة كورونا، والارتدادات التي حصلت على المجتمع، والتشريعات والقوانين التي أثرت على الحياة والأقتصاد والمجتمع.
سلسلة من الأحداث ذاتية الاستدامة، والتي قد تبدأ من تقارير وسائل الإعلام عن حدث صغير نسبياً وتؤدي إلى ذعر عام وإجراءات حكومية واسعة النطاق.
على الرغم من وجود العديد من المشكلات المحتملة المتعلقة بسلاسل التوافر، فمن المهم أن نذكر أن سلاسل التوافر ليست سلبية بطبيعتها؛ هناك العديد من المواقف التي يمكن أن يؤدي فيها سلاسل التوافر إلى إحداث تغييرات إيجابية واسعة النطاق في المجتمع، من خلال الضغط على المجتمع والسياسين والقادة للتغلب على الجمود الطبيعي الذي يحافظ أحياناً على الوضع الراهن الإشكالي.
مجال التأثير (الإيمان – الذاكرة – المجتمع – السياسة – التعليم – المال)
27- الانحدار / Declinism:
نميل إلى إضفاء الطابع الرومانسي على الماضي والنظر إلى المستقبل بشكل سلبي، معتقدين أن المجتمعات أو المؤسسات في حالة تدهور إلى حد كبير.
مثال: الولايات المتحدة على وجه الخصوص لديها تاريخ من التوقعات بأنها ستنحدر أو مقبلة على تدهور كبير.
في كتاب اصدر عام 2011 لـ توماس فريدمان ومايكل ماندلباوم ذكر أن الولايات المتحدة كانت في خضم الموجة الخامسة التي قد تتسبب في انحدارها.
الأولى كانت عندما اطلق الاتحاد السوفيتي قمرهم الاصطناعي سبوتنيك 1 عام 1957، والثانية كانت حرب فيتنام، والثالثة كانت خلال كلمة للرئيس جيمي كارتر وحديثه عن تدهور ثقة الامريكيين من صعود اليابان، والرابعة بزوغ الصين.
كما لاحظ المؤرخ روبرت كاغان عام 2004 أن الناقد الإعلامي فريد زكريا وصف وضع أمريكا الراهن بأنه وضع مستقر ومزدهر لم يسبق له مثيل منذ قرون، لكن بحلول عام 2008 بدأ نشر مقالات عن مرحلة بزوغ وصعود باقي بلدان العالم ومرحلة مابعد أمريكا.
في المقالة التي ظهرت في مجلة ذا نيشن في 13 حزيران / يونيو 2017 ، للمؤلف توم انجلهارد والذي وصف من خلالها المرشح للرئاسة في حينها دونالد ترامب أنه أول مرشح للرئاسة الأمريكية سيتسبب في انحدار أمريكا وتدهورها.
مجال التأثير (الإيمان – الذاكرة – المجتمع – السياسة)
28- انحياز الوضع الراهن / Status Quo Bias:
نميل إلى تفضيل بقاء الأشياء على حالها؛ والتغييرات تعتبر خسارة.
يتضح انحياز الوضع الراهن عندما يفضل الناس أن تظل الأشياء على حالها من خلال عدم القيام بأي شيء والالتزام بقرار تم اتخاذه سابقاً.
التحيّز للوضع الراهن يتوافق مع النفور من الخسارة، ويمكن تفسيره نفسياً من خلال الالتزامات التي تم التعهد بها مسبقاً، والتفكير الغارق في التكلفة، والتنافر المعرفي، والحاجة إلى الشعور بالسيطرة، وتجنب الندم. حيث أن الناس يشعرون بأسف أكبر على النتائج السيئة التي تنتج عن الإجراءات الجديدة التي يتم اتخاذها أكثر من العواقب السيئة التي تنتج عن بقاء الأمور على وضعها الراهن.
التحيز للوضع الراهن كثيراً ما يُعتبر غير عقلاني، فإن التمسك بالخيارات التي نجحت في الماضي غالباً ما يكون قراراً آمناً وأقل صعوبة.
مثال: الخوف من انتشار العملات الرقمية، أو تجنب استخدام التكنولوجيا أو التماشي معها من جيل إلى جيل.
مثال: في السياسة، غالباً ما يُستخدم الانحياز للوضع الراهن لشرح العقلية المحافظة. حيث يتجنب الناس المخاطر المرتبطة بالتغيير، ولكن يفقد الناس أيضاً الفوائد المحتملة التي قد يجلبها التغيير.
التحيز للوضع الراهن له فوائد. لأنه يمنع الناس من المخاطرة، فإن التحيز يوفر درجة معينة من الحماية. ومع ذلك، فإن تجنب المخاطر هذا يمكن أن يكون له أيضاً آثار سلبية إذا كانت البدائل توفر بالفعل أماناً وفوائد أكبر من الوضع الحالي.
مثال: غالباً ما يختار الأفراد ساندويتش سبق لهم تناوله. تسمى هذه الظاهرة بتجنب الندم، في محاولة لتجنب تجربة مؤسفة محتملة
- اختيار شطيرة جديدة وعدم الإعجاب بها – يختار الأفراد التمسك بالوضع الراهن – الشطيرة التي هم يألفونها بالفعل –
مجال التأثير (الإيمان – الذاكرة – المجتمع – السياسة – التعليم – المال)
29- مغالطة التكلفة الغارقة / تصعيد الالتزام / Sunk Cost Fallacy:
نستثمر أكثر في الأشياء التي كلفتنا، بدلاً من تغيير استثماراتنا، حتى لو واجهنا نتائج سلبية.
مثال: حينما يكتشف الفرد بأن الاستثمار فاشل، ولكن يستمر فيه لعدم خسارة التكاليف التي دُفعت بالفعل ولايمكن استعادتها على الرغم من أنه لاعلاقة بين التكاليف وبين نجاح الاستثمار مستقبلاً.
مثال: قد تشتري تذكرة أحد الأفلام ثم بعد شراء التذكرة تكتشف أن الفيلم لايستحق أن تحضره ولكنك تصر على حضوره، فقط لأنك قد دفعت قيمة تذكرته.
تحدث مغالطة التكلفة الغارقة لأننا لسنا صناع قرار عقلانيين تماماً وغالباً ما نتأثر بمشاعرنا.
عندما نستثمر سابقاً في خيار ما، فمن المحتمل أن نشعر بالذنب أو الأسف إذا لم نتبع هذا القرار. ترتبط مغالطة التكلفة الغارقة بانحياز الالتزام، حيث نواصل دعم قراراتنا السابقة على الرغم من الأدلة الجديدة التي تشير إلى أنها ليست أفضل مسار للعمل.
من أشهر الأمثلة على مغالطة التكلفة الغارقة ما يسمى بـ “مغالطة الكونكورد”. في الخمسينيات من القرن الماضي، مولت الحكومة البريطانية، بالاشتراك مع الحكومة الفرنسية، تطوير طائرة كونكورد. بعد فترة، اتضح أن التطوير لم يعد مربحاً اقتصادياً.
وجد الطرفان نفسيهما غير قادرين على الانسحاب من العملية، مما تركهما يتحملان نفقات باهظة، ناهيك عن الإحراج.
مجال التأثير (الإيمان – الذاكرة – المال)
30- مغالطة المقامر / مغالطة مونت كارلو / Gambler’s Fallacy
نعتقد أن الاحتمالات المستقبلية تتأثر بالأحداث الماضية. وهي الاعتقاد الخاطئ بأنه إذا حدث شيء معين بشكل متكرر أكثر من المعتاد خلال الماضي. فمن غير المرجح أن يحدث في المستقبل والعكس صحيح.
سميت أيضاً مغالطة مونت كارلو، على اسم كازينو مونت كارلو في لاس فيغاس حيث لوحظت في عام 1913. سقطت كرة عجلة الروليت على اللون الأسود عدة مرات متتالية. قاد هذا الناس إلى الاعتقاد بأنها ستسقط على اللون الأحمر قريباً وبدأوا في دفع الرهانات. مراهنين على أن الكرة ستسقط في مربع أحمر عند دوران عجلة الروليت التالية.
سقطت الكرة على المربع الأحمر بعد 27 لفة. تشير الحسابات إلى أن ملايين الدولارات قد ضاعت بحلول ذلك الوقت.
مثال : الآباء الذين لديهم بالفعل ثلاثة أبناء وهم راضون تماماً عن حجم عائلتهم. ومع ذلك، كلاهما يرغب حقاً في إنجاب ابنة. يرتكبون مغالطة المقامر عندما يستنتجون أن فرصهم في إنجاب فتاة أفضل، لأن لديهم بالفعل ثلاثة أولاد. وهذا خطأ، لأن جنس الطفل الرابع غير مرتبط سببياً بأي أحداث سابقة أو سلسلة من هذه الأحداث. فرصهم في إنجاب ابنة ليست أفضل من 1 من 2 – أي 50-50.
مجال التأثير (الإيمان – الذاكرة – المال)
يمكنكم هنا متابعة تتمة المقال عن هذه الانحيازات المعرفية نتمنى لكم دوام المتعة والفائدة.
الانحيازات المعرفية | عندما يخدعنا عقلنا ونتخذ قرارات خاطئة! تعرّف مفصلاً عليها مع الأمثلة ج1
التحيّزات المعرفية | عندما يخدعنا عقلنا ونتخذ قرارات خاطئة! تعرّف مفصلاً عليها مع الأمثلة ج2
عالم نوح
إقرأ أيضاً:
المؤامرة | كيف يمكن أن يؤمن الكثير من الناس بمثل هذه الأشياء الغريبة؟
التخاطر | ما هو التخاطر وهل هو حقيقة علمية أم مجرد صدفة ووهم؟